إلى متى يدفع الغزاويون ثمن لرعونة حركة "حماس"؟
لا نجادل في أن الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة هو حصار جائر، ولا إنساني، وتجاوز كثيرا أبسط حق من حقوق الإنسان. ولا مجال هنا لإعادة التأكيد على طبيعة إسرائيل العدوانية وقدرتها على تدمير حياة الفلسطينيين وجعلها غير محتملة. ربما كان بإمكاننا أن نكتب مئات الصفحات في هذا الصدد، وأيضا، أن نوصف بمئات مماثلة من الصفحات، معظم الممارسات البشعة والوحشية لقوات الاحتلال في المناطق الفلسطينية، إلا أن رؤية هذا الأمر على النحو الذي وصفناه، لا يلغي أبدا أننا نعمى عن المسؤولية السياسية التي تتحملها حركة "حماس" في دفع العدو الإسرائيلي دفعا إلى التفنن بتعذيب الفلسطينيين وجعل حياتهم غير محتملة. إعطاء العدو الفرصة والمبررات للانقضاض على الفلسطينيين وعلى أبسط مقومات عيشهم، هو برأينا جريمة لا تقل عن الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال.
وفي رأينا أن استمرار حركة "حماس" في إطلاق الصواريخ على مستوطنة "سيدروت" لا ينتمي بأي حال إلى منهج سياسي سليم . بل هو كان، وسيظل سلوكا أرعنا لا يعود على شعبنا إلا بأوخم العواقب. هذا الأسلوب هو الذي دفع الوحش الإسرائيلي إلى تدمير بيوت الفلسطينيين وتجريف أراضيهم واستهداف حياة شبابهم وإحكام الحصار الغذائي والدوائي والإقتصادي عليهم. لقد كلف هذا الأسلوب الفلسطينيين ثمنا فادحا تمثل في آلاف الشهداء وآلاف المعتقلين وآلاف الجرحى والمعاقين والمعتقلين. كل هذا لقاء حصاد سياسي صفري!
لا ندري حقيقة ما هي الحكمة أو ما هو الهدف من الاستمرار في مثل النهج الذي ثبت أنه أسلوب مدمر؟ وما هي الحكمة من انتهاج سياسة ثبت عقمها؟
وفي تقديرنا أن إسرائيل لن تتراجع عن أسلوب حصارها وأن المشكلة ستتفاقم بعد تهديد حكومة أيهود أولمرت بالمزيد من الإجراءات العقابية على سكان القطاع. وليست المستشفيات فقط التي ستتوقف عن تقديم خدماتها للمرضى بل أن كافة أوجه الحياة مهددة بالتوقف.. المخابز والمعامل التدفئة والطعام والشراب المعتمد بدوره على امدادات الوقود التي توقفت. والأكثر من ذلك أيضا أن غزة ستكون مهددة بكارثة بيئية نتيجة انقطاع الوقود عن 150 مضخة صرف صحي توقفت بدورها عن العمل ليصحو أهالي غزة على طوفان فضلات تلك المجاري على بيوتهم وفي شوارعهم لتنشر الأوبئة والأمراض لتفتك بحياة الناس فيها.
إن الاستمرار بهذا السلوك اللاسياسي معناه الاستمرار في النهج الذي يقود عاجلا أم آجلا إلى الانتحار الجماعي. وحركة "حماس" هي من يقود الفلسطينيين في غزة إلى هذا الانتحار رغم أنوفهم. ولعل الحديث عن الاستمرار في هذا النهج بحجة الدفاع عن كرامة الفلسطينيين لا يستقيم في ظل الحاجة المضنية للإنسان الفلسطيني لأبسط مقومات الحياة الكريمة من خبز وماء وكهرباء ودواء. لقد حولت "حماس" الشعب الفلسطيني إلى جماعات تتنتظر عطف العالم وشفقته. حولته في نظر العالم من شعب صاحب قضية عادلة إلى مجموعة بائسة من المتسولين على أعتاب العالم.
ما تحتاجه حركة "حماس" هو القليل من الشعور بالكرامة، والقليل من حس الحياء لكي تدرك حقيقة أن أسلوبها هذا، لا يقود إلا إلى إذلال الفلسطينيين وإهدار كرامتهم.
ما يطلبه الشعب الفلسطيني من هذه الحركة، هو أن تتمتع ولو قليلا بالشعور بالمسؤولية لتفهم أن الفلسطنييين ليسوا كائنات خرافية قادمة من الفضاء الخارجي، بل هم بشر من لحم ودم، ويحتاجون إلى كل ما يحتاجه البشر من أسباب الحياة.
ليس جديرا بنا أن نستصرخ العالم، الذي لا تعنيه مآسينا، ليتدخل لنا لدى إسرائيل لوقف حصارها، وأنه من الأجدر بنا قبل توسل عطف وشفقة هذا العالم، أن نشفق على أنفسنا من استبداد وتسلط تجار الدم الذين لا يحملون أجندة فلسطينية، بقدر ما ينفذون أجندات خارجية بعيدة كل البعد عن المصلحة الفلسطينية.
أجل هذه هي الحقيقة، ولنقلها صراحة بأن أبناء غزة اليوم، هم وحدهم، من يدفعون من حياتهم وحياة أبنائهم، ثمنا للرعونة السياسية لحركة "حماس". وأنه آن الأوان منذ وقت طويل لوقف هذا العبث بمصائر الفلسطينيين.
بقلم: نادية عيلبوني